منتديات المبشر العلمية - الثقافية - الاجتماعية - الشاملة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا ومرحبا بكم في منتديات المبشر العلمية
يعلن المنتدى عن رغبته في مشرفين نشطين لكل المنتديات
لافضل تصفح للموقع حمل متصفح فير فكس اخر اصدار من هنــــــــــــــا

 

 حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mobashar
المدير العام
المدير العام
mobashar


الجنس : ذكر
الهواية : حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية Writin10
المهنة : حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية Progra10
مزاجي : حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية 8010
عدد المساهمات : 167
تاريخ التسجيل : 19/09/2010
العمر : 44
الموقع : كوستي
الاوسمة : حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية Tamauz

حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية Empty
مُساهمةموضوع: حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية   حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية Emptyالأربعاء أبريل 11, 2012 4:49 pm








حركة الاصلاح وعهد التنظيمات




ان المتتبع لسياسة الادارة العثمانية قبل القرن التاسع
عشر يجد ان الية مهامها توفير الحماية وحفظ الامن وجمع الضرائب، فلا تملك من
التقنيات ما يساعدها على تنفيذ فعاليات اخر. وكان دورها في الحياة الاجتماعية
والاقتصادية دورا رقابيا وتنظيميا الى حد ما، كالرقابة على اصحاب الحرف واعمال
البناء وتنظيم المؤسسات الخيرية والاوقاف.





ونتيجة للظروف السياسية والعسكرية
والادارية التي مرت بهاد الدولة العثمانية في بداية القرن التاسع عشر، والتي ادت
الى حال من التدهور والتفكك، فقد انبرى رجالها المثقفين لوضع ديباجة لعملية تنظيم مركزي
تشمل كافة المجالات الادارية والمدنية والعسكرية لانقاذ كيان الدولة من الاضمحلال،
فنجحت الدولة في ازالة الاداريين
المتسلطين واستحدثت عددا من المجالس المكلفة بتطبيق الاصلاحات التي نادى بها
السلطان محمود الثاني (1223هـ/ 1808م- 1255هـ/ 1839م)، وهذه المجالس هي نوع من
الاجهزة التشريعية، مهمتها مناقشة امور الدولة واصدار القرارات بشأنها، فالامور
القضائية يتولاها "المجلس الاعلى للاحكام العدلية" والامور الادارية
يتولاها "مجلس شورى الباب العالي"، والامور العسكرية يتولاها "مجلس
الشورى العسكري" كما اقيمت عدة مجالس مختلفة عام(1254هـ/ 1838م) للنظر في
شؤون الزراعة والتجارة والصناعة والاشغال العامة، وبذلك تخلت الدولة عن مؤسساتها
القديمة لتقيم بدلا منها مؤسسات اخرى حديثة.





وتم ايضا تنظيم اول تعداد للسكان، والكرانتية
(الحجر الصحي)، وغيرها من الاعمال التي شملها الاصلاح في عهد السلطان محمود
الثاني.



وليس من الممكن للاصلاحات التي تحققت في عهد
السلطان محمود الثاني او تنقذ الامبراطورية من وضعها المتهرء. وهذه الحقيقة جعلت
رواد الاصلاح يستمرون بدعواتهم الاصلاحية، حيث استطاع مصطفى رشيد باشا ان يستصدر
الفرمان السلطاني( خط كلخانة) الذي تلاه السلطان عبد المجيد (1255هــ/1839م-
1278هــ/1861م) في قصر (طوب قابو)، وتضمن بعض المبادئ منها: صيانة ارواح واموال
واعراض الناس، وحضر المصادرات، وعدالة الضرائب والنص بتحديد مدة الجندية.





ويعد مرسوم كلخانة الحلقة الاولى في سلسلة
مراسيم وقوانين صدرت في اعقابه تتضمن اعادة وتنظيم الاجهزة الادارية والمالية
والقضائية وتاكد على مشاركة الاهالي على مستوى الولاية واللواء والقضاء والناحية
لمراقبة الادارة والعمل على حل مشكلاتها، وياتي ذلك من خلال تشكيل مجلس الولاية
والسنجق والمجلس العمومي والمجالس البلدية والاختيارية والمجالس الادارية المحلية
التي الفت لمراقبة عمل الباشوات.





كما صدرت مجموعة من اللوائح التنظيمية التي جاءت
بخطط جديدة لتقسيم العمل في ادارة الولايات، واكدت على زيادة تاثير المركز ورقابته
ليتجه نحو الحكم المطلق، مما اتاح الفرصة لظهور تسلسل وظيفي محدود ومسؤوليات معينة
بين الاداريين. وانشاء الهيئات المخولة بالادارة والرقابة بشكل مستمر على كافة
التوصيات والاعمال التي تنجزها الهيئات الاقل، وتطبق الرقابة في اطار نظام ادارة
الولايات الذي اخذ طابع المركزية وازالة الحكم الاستبدادي المطلق للباشا.





وقد صدرت كثير من القوانين لاصلاح شؤون الحياة
في معظم الاصعدة، وايجاد نظاما اداريا يسمح للدولة بالسيطرة على المزارعين لتحقيق
اقصى مايمكن تحقيقه من الايرادات بعد فرض الضرائب على الزراعة والتجارة
الخارجية(الكمارك) في اعقاب التغلغل الاوربي في الاقتصاد العثماني.





الا ان هذه الاصلاحات لم تاخذ حيز التنفيذ في
العراق بصورة جدية بسبب انعدام الوسائل الكفيلة بتنفيذها، ذلك ان الادارة
العثمانية لم تتخل عن اساليبها التقليدية في الادارة وتمسكها بتطبيق نظام الالتزام
(الذي وصفه خط كلخانة بانة من الات الخراب)، الذي اثر كثيرا على اختيار الولاة
المعينون (الذين يدفعون اكثر)، ومعظمهم يفتقرون الى السياسة الرشيدة في حل المشاكل
التي تواجههم وبالاخص مشكلة العشائر والتي شكلت انتفاضاتها قلقا وتهديدا جديين
للادارة العثمانية، والمتمثلة بولاتها الذين لم يضعوا سياسة محددة يتعاملون
بوساطتها مع العشائر العربية والكردية، والتي لم يغير النظام الجديد شيئا من
حياتها القاسية وطريقة معيشتها البدائية، فكانت معرضة دوما للمجاعات المهلكة
والامراض المبيدة.





ولاجل اخضاع هذه العشائر التي كانت معظم
انتفاضاتها بسبب التعسف في جباية الضرائب فالولاة لم تكن لهم سياسة حكيمة في
اخضاعها، فمنهم من يتبع سياسة التفكيك بالعنف والقسوة، وكان الوالي نجيب باشا اول
داعية لتفكيك هذه القبائل بالقوة. واخر يتبع سياسة اثارة الفتن لكي تتنازع فيما
بينها وتكون الدولة في منأى ولو الى حين، ومنهم من اتبع سياسة استبدال شيخ بآخر
مما يزيد من حال الفوضى والانحدار والتناحر في سبيل المشيخة. وعلى نطاق ضيق كانت
هناك محاولات لاخضاع العشائر من خلال تهيئة الوسائل الكفيلة باستيطانهم وتعيين
شيوخهم ومنحهم لقب باشا ودفع رواتب لهم مقابل اخضاعهم لسلطة الدولة، ومعاونتها في
توطيد الامن في مناطقها والطرق القريبة منها. والانتظام في دفع الضرائب المفروضة
عليها باسلوب الالتزام الذي يضمن للحكومة دخلا من دون ان تبذل جهدا ما، وبذلك نجحت
الدولة الى حد ما من السيطرة على بعض العشائر من خلال منح السلطة لشيوخهم، اذ
لاتستطيع حركة داخل العشيرة ان تعزلهم. اذ ان من مصلحته ان تبقى الدولة على الشيخ
الموالي لها والتمسك معه بهذه العلاقة حفاظا على استمرار الحصول على المرتبات
النقدية.





ومما لاشك فيه ان نجاح الدولة في السيطرة على
العشائر لم يات بنتائج تخدم مصلحة المواطن، فقد ظل الوضع الاقتصادي مترديا بسبب
تردي الزراعة التي هي دعامة المجتمع العراقي يوم ذاك نتيجة لقساوة شروط تاجير
الاراضي الزراعية وانحطاط نظام الري وكثرة الفيضانات مقابل انعدام الاهتمام ببعض
السدود المهمة، وتاخر اساليب الزراعة، وارتفاع الضرائب وسوء جبايتها ثم سوء حال
الطرق والمواصلات وانخفاض مستوى الامن، مما حدى بالفلاح العراقي العمل في ظروف
سيئة وبأجور متدنية لاتفي بمتطلبات الواقع الحياتي المعاش.






ولم يكن العامل العراقي اوفر حظا من الفلاح اذ
كان يقاسي من الجور والتعسف وضنك العيش بسبب الاساليب التي كان يتبعها الموظفون
العثمانيون. الامر الذي ادى معه الى تكوين النواة الاولى للطبقة العاملة.





ويبدو من ذلك كله ان مجمل القوانين
والاجراءات الاصلاحية لم يظهر اثرها على المدينة العراقية، فبقيت تعاني من
الاهمال، فالشوارع ضيقة تضاء بمصابيح زيتية قليلة العدد، والمياه تنقل من الانهار
والابار في ( قرب) وعلى ظهور الحمير مع انعدام المؤسسات الصحية، فخدمات الحجر
الصحي محصورة في المدن الكبيرة وكان التداوي يتم على ايدي الحلاقين او الفآلين
والدجالين الذين يستعملون الاعشاب في العلاج احيانا.





اما الاسواق فقد كان يجوبها جنود(جيش العساكر
المنصورة)، لمساعدة الملتزمين في جباية الضرائب التي تزداد ولا تنقص مثل (يومية
الدكاكين، والدمغة ، ورسم الوزن او القنطارية وغيرها)، والتي كانت تزيد من معاناة
التجار واصحاب المهن فضلا عن مشكلات تداول العملة المزيفة.





والجدير
بالذكر ان نظام الالتزام في جباية الضرائب قد ابطل بعد صدور مرسوم كلخانة، وعين
موظفون مختصون بجبايتها دعوا بـ(المحصلين) يعملون تحت ادارة موظف يدعى
بـ(المستوفي). الا ان ذلك كله لم يستمر طويلا فعاد نظام الالتزام وبقي بكل مايحمله
من قهر وارهاق الناس في جباية الضرائب المتبع حتى نهاية الحكم العثماني على
العراق.





ونرى ان من بين الاسباب التي كانت وراء
اهمال الادارة العثمانية في تطبيق الاصلاحات الخدمية والعمرانية هو تكليف الولاة
بقيادة الجيش في محاولات اخضاع القبائل وارجاع المدن والمناطق التي تحكمها الاسر
والعصبيات الى الحكم المباشر للدولة، تلك المحاولات التي كانت مستمرة منذ عام
(1247هـ/1831م)، ولم يشهد العراق في تلك الفترة سوى اصلاحات يسيرة تهدف في معظمها
الى تحقيق هذه الغاية .





ومما تجدر الاشارة الية الى ان حركة الاصلاح
قد شهدت في اواخر عهد السلطان محمود الثاني تقدما ملحوظا عندما اقيمت في اواخر عام
1253هــ/1837م عدة مجالس مختلفة للنظر في شؤون الزراعة والتجارة والصناعة والاشغال
العامة، كما تم تشكيل لجنة دائمة تخطط للاصلاح تخطيطا شاملا، الا ان ذلك كله لم
ينعكس على الادارة الحكومية ومؤسساتها في الايالات الا قليلا، فقد ظلت الادارة في
عهده على حالها تقريبا دون تغيير او تقدم ملموس ولم تنفع لاصلاحها تلك المركزية
التي اتبعها السلطان في حكم الايالات لانها كانت امرا غير عملي عند التطبيق وخاصة
في الايالات البعيدة كايالة بغداد، اذ بقيت على حالها من دون تغيير كبير، لبعد
العراق اولا، ولعدم قدرة الوالي علي رضا في ادارة الايالة الذي اتصف بالتبذير
والافراط في صرف الاموال الحكومية في غير اوجهها الصحيحة، وعمل على ابقاء نظام
الالتزام في جباية واردات الدولة، فقد وصفه عباس العزاوي بانه: اضر على العراق من
ادارة المماليك، الا ان الخطوة الوحيدة التي اخطاها في مجال تطبيق الاصلاحات، هي
ادخال نظام المختارين .





وقبل الانتقال الى عهد التنظيمات لابد من
الاشارة الى ان الاصلاحات التي قام بها السلطان محمود الثاني كانت الباعث الاساسي
لاصدار البرامج الاصلاحية التي خطها رجال الدولة والتي اقرها السلاطين فيما بعد
حتى اوائل القرن العشرين.





واذ يرى اللورد(ايفر سلي) ان السلطان محمود
الثاني اوشك ان يصدر مرسوما شاملا، الا ان الموت عاجله ولم يمكنه من تحقيق ما كان
يصبو اليه.





وبتولي السلطان عبد المجيد الصغير السن
انذاك (1255-1278هـ/1839-1861م) وتعيين مصطفى رشيد باشا كناظر للشؤون الخارجية
للبلاد العثمانية، حتى بدأت الحركة الاصلاحية الثانية التي كانت بداية لما عرف
بـ(عهد التنظيمات) الذي بدأ باعلان السلطان للمرسوم الاصلاحي خط (شريف كولخانة)
سنة (1255هـ/1839م) وخط همايون (1273هـ/1856م)، حتى اعلان الدستور العثماني الذي
عرف بـ(القانون الاساسي) سنة (1293هـ/1876م).





وهكذا فقد طرأت على الادارة العثمانية في
عهد التنظيمات تغيرات نتيجة للاصلاحات التي قام بها السلاطين عندما وجدوا ان حال
الدولة يحتاج الى تنظيم متكامل والاتجاه نحو عملية تقنين جديدة تستلهم النظام
الاوربي في كافة الميادين.





ولابد من الاشارة ان حركة الاصلاح في عهد
التنظيمات قد تميزت عما كانت عليه قبل ذلك العهد بامور عدة اهمها:





اولا:- ان حركة الاصلاح منذ ظهورها وحتى وفاة السلطان محمود الثاني كان يتبناها
سلاطين الدولة، ثم تبناها بعض من رجال الدولة وكان ابرز اولئك المصلحين مصطفى رشيد
باشا ومدحت باشا.





ثانيا:- ان غالبية القوانين والانظمة التي صدرت في عهد التنظيمات قد استلهمت من
القوانين والانظمة الاوربية مع التوفيق بينها وبين نصوص الشريعة الاسلامية وخاصة
الانظمة الخاصة بالادارة البلدية كنظام الطرق والابنية ونظام الخبازة ونظام وظائف
جاووشية البلدية ونظام الطبابة التي سنأتي على مناقشتها لاحقا.





كما وان تبني انظمة وقوانين عهد التنظيمات
لنظام الحكم والادارة المركزية والمغالاة في تطبيقها ادى الى ظهور الارتباك
والفوضى في حكم الولايات وخاصة في مجال تنفيذ المشاريع الخدمية.



والملاحظ ان الباشا مصطفى رشيد قد تاثر
باسلوب الحكم الدستوري البريطاني عندما كان سفيرا هناك، فعقد العزم على الارتقاء
بالدولة العثمانية من خلال فرمان التنظيمات الذي اكد فيه على ضمان حقوق المواطنة
بالمفهوم العصري والتخلص من مساوئ الادارة واقامة نظام اجتماعي قادر على تحقيق
المساواة بين المسلمين وغيرهم من رعايا الدولة العثمانية في الحقوق الشخصية.





وقد استلزم هذا الامر القيام باجراء تغيير في
ادارة المدن واجهزة الخدمات ، فكان الامل الذي يراود مصطفى رشيد باشا وهو لا يزال
في سفارة لندن كان يعبر عنه عند حديثه في تحويل المباني الخشبية الى مباني حجرية
وان تعمر المدن ويعم اطرافها الضوء والنظافة. فتشكلت على اثر صدور مرسوم كولخانة
مجالس في الولايات والالوية وكانت تضم اعضاء منتخبين لمعاونة اهالي المنطقة وممثلي
الادارة المركزية الذين يقومون بادارة الاعمال في مجال الصحة والاشغال العمومية
مما يضفي معه قدر من اللامركزية على الادارة العثمانية.





وعلى الرغم من التغيرات التي شهدها التاريخ
العثماني في مجال الاصلاحات الادارية الا ان تلك الاصلاحات كانت من الوجهة النظرية
اكثر فعالية من الوجهة العملية والتطبيقية، فهي زالت بمجرد زوال دعاتها، كما انها
لم تكن دعوات من الجهات العليا بقدر ماتكون دعوات نابعة من مجرد التاثر بالاسلوب
الاوربي من دون الاحتكاك ونقل تلك التجارب الى واقع العمل، فكانت تنظر لفلسفة
خارجية اكثر منها تغييرا ونهوضا نابعا من عمق التاريخ العثماني الذي دام اربعة
قرون على العراق. ولهذا فاننا لانتفق مع مايذهب اليه في هذا المجال احد الباحثين
الاتراك عندما يقول: (( والجدير بالذكر هو ان القرن التاسع عشر هو عهد الاصلاح
الاداري ومرحلة غيرت بوجه خاص المشهد البانورامي للتاريخ العثماني، فقد تميزت تلك
الاصلاحات الادارية باختلافها من حيث الشكل والمحتوى عن التطبيقات البرغماتية،
واصبحت الادارة واقعة تحت تاثير فلسفة معينة، أي تاثير الفلسفة العصرية على النظام
البيروقراطي، مما يقضي بتحقيق اصلاحات ادارية تقترن بترتيب قانون جديد، والخلاصة ان
اصلاحات عهد التنظيمات في القرن التاسع عشر جاءت معها الى مسرح التاريخ التركي
الاسلامي بروح جديدة تدرك قيمة القانون وعملية التكييف القانوني)).





وهذا يتناقض مع ما يذهب اليه الباحث نفسه من
ان فرمان التنظيمات الذي جاء في ديباجته، ان الدولة تعيش ازمة متفاقمة منذ مائة
وخمسين سنة، تمثلت تلك الازمة امام الادارة في مجموعة معقدة من المشاكل التي
تراكمت عن المؤسسات التقليدية في الدولة والمجتمع تلك المؤسسات التي تهالكت حتى
عجزت عن القيام بوظائفها مما دعى الى وضع نظام تشريعي متكامل نحو عملية تقنين
جديدة Codification تستلهم النظام الاوربي. بيد انه لم يحدد مدى
النجاح الذي تحقق من استلهام هذا النظام او طبيعة الخط البياني الذي تحقق من جراء
هذا الاستلهام والتاثر بالنظم الاوربية، مما يؤكد قولنا انها كانت مجرد تنظيرات ،
وان ما تحقق منها لايتعدى بعض الجوانب الادارية التي تخص تحديث الوسائل القديمة
واستلهامها وفقا لما يتماشى مع طبيعة النظام الاجتماعي الذي لم يكن يألف بعد النظم
الاوربية الجديدة فضلا عن عدم جدية السلطات العليا في عملية التغيير والنهوض بما
يتطلبه الوضع الجديد.







الوالـــي مدحت باشا واصلاحاته الادارية
والخدمية


ولد هذا الوالي في استانبول
عام(1238هـ/1822م)، وقد اسماه ابوه احمد شفيق، غير انه سمي بمدحت بعد ان التحق
بالديوان الهمايوني واتقن الخط الديواني في ستة اشهر، كما اتقن عدد من المعارف ،
وزار باريس ولندن وفينا وبلجيكا للتعرف على نظم حكمها ووسائل عمرانها، وقد عين
واليا لولاية طونة ورئيسا لمجلس شورى الدولة ثم واليا على ولاية بغداد.





يعد الوالي مدحت باشا (1869-1872م) من
الولاة البارزين الذين شهدتهم الدولة العثمانية في فترة حكمهم للعراق، وذلك لما
كان يتمتع به من مواهب ادارية وقدرات في بث روح الاصلاح والتجديد، اذ كان عصريا
اطلع على التقدم الذي شهده العالم الاوربي، وقد انجز كثيرا من الاصلاحات والاعمال
الهادفة لتحسين واقع ولاية بغداد ورقيها وازدهارها، ويعد ايضا من ابرز الساسة
الداعين الى اصلاح اجهزة الدولة الادارية وفق نظام دستوري على النمط الاوربي.



وقد دخل العراق مرحلة جديدة تعد فترة تحول
تاريخي وذلك حين استلامه ولاية بغداد في (18 محرم 1286هــ/ 30 نيسان 1869م)، حيث
وضع برنامجا لسياسته الادارية اوضح فيه مسؤوليته في ضرورة تحقيق التطور الاقتصادي
والاجتماعي وتطبيق القوانين العثمانية بما يخدم العراق، كما اكد في كلمته التي
القاها في مقر الحكومة على دور العراقيين في تحقيق هذا التطور من خلال تعاونهم مع
السلطة ومسؤولية الموظفين في تقديم الخدمات للاهالي ومحاسبة المقصرين منهم امام
السلطة.



وكنتيجة لاهمية ولاية بغداد، فقد صدر
الفرمان السلطاني بتعيينه، واصفا هذه الولاية ((من اعظم القطع المركبة من الممالك
المحروسة من الدولة العلية ولاجل اعمارها تم التعيين)).



ويذكر مدحت باشا في مذكراته انه هو نفسه
قد اظهر ميله الى هذه الولاية، فوجهت اليه وظيفة والي العراق مع نظارة الفيلق
السادس مما يعني الجمع بين السلطتين الادارية والعسكرية. ومن ثم فقد حدد سلطاته على النحو الاتي:-





1-
تنفيذ جميع اوامر الدولة وتنفيذ قوانينها.



2-
الاشراف على دوائر الولاية المدنية والمالية والامنية.



3-
اضطلاعه بمسؤولية رئاسة مجلس ادارة الولاية.



4-
الاشراف على توزيع قوانين الضبطية على الالوية والاقضية.



5-
تنفيذ الاحكام الصادرة من ديوان التمييز بحق الجناة
والمخالفين.



6- مراقبة اعمال المتصرفين
والقائمقامين ورؤساء الدوائر الحكومية واتخاذ التدابير اللازمة لعزل من يثبت
تقصيره في اداء الواجب.



7-
الاشراف على عمليات تحصيل الاموال الحكومية.



8-
العمل على رفع مستوى التعليم والاشغال العامة والتجارة
والزراعة والصناعة والصحة.



9-
التقيد بميزانية الولاية.



10- له الحق في الظروف الاستثنائية القيام بامور من دون الرجوع الى
الباب العالي على ان يخطر بها الباب العالي فورا.





دأب مدحت باشا على التجول في الولاية
للوقوف بنفسه على سلامة تنفيذ مواد نظام الولايات، وحسن سير اداء الجهاز الحكومي،
وهو الشئ الذي كان يفعله ايضا في ولاية الطونة، وقد عده المشرعون من رجال الدولة
في استانبول تلك الجولات التفتيشية لمدحت باشا في ولايتي الطونة وبغداد عملا
اساسيا يفترض ان يقوم به كل والي في ولايته،فاضافوه للتعديلات التي كانت تجري على
نظام الولايات لسنة (1281هـ/1864م)، فاصبح مادة هامة من مواد نظام ادارة الولايات
العمومية الذي نشر سنة (1288هـ/1871م)، فجاء ليخرج تلك التعديلات الى حيز الوجود.





وهكذا شرع هذا الوالي بعد وصوله الى بغداد
باعادة تنظيم الادارة الحكومية الذي كان في مقدمة الاعمال الاصلاحية التي قام بها
ومن ذلك نظام الولايات اعلاه الذي قسم بموجبه ولاية بغداد الى عدة سناجق والسناجق
الى اقضية والاقضية الى نواح وفقا للكيفية التي نص عليها ذلك النظام، والسناجق هي:-





1-
سنجق بغداد.



2-
سنجق الموصل.



3-
سنجق البصرة.



4-
سنجق شهر زور.



5-
سنجق السليمانية.



6-
سنجق الدليم.



7-
سنجق كربلاء.



8-
سنجق الديوانية.



9-
سنجق العمارة.



10 - سنجق المنتفق.




ويتضح من هذا التقسيم ان الموصل والبصرة
كانتا سنجقين تابعين لولاية بغداد، ويذكر النجار ان الموصل والبصرة كانتا متصرفتين
او قائمقامين تابعتين لولاية بغداد منذ منتصف خمسينات القرن التاسع عشر واستمر
وضعها الاداري هذا الى مابعد سنة(1286هـ/1869م)، ويذكر ايضا ان الموصل بقيت سنجقا
تابعا لولاية بغداد حتى عام (1296هـ/1879م) ثم انفصلت عن ولاية بغداد واصبحت ولاية
مستقلة تتبع الباب العالي الى نهاية الحكم العثماني فيها عام( 1337هـ/ 1918م)، اما
البصرة فقد ظلت سنجقا تابعا لبغداد حتى عام (1292هـ/1875م)، حيث شكلت ولاية مستقلة
في السنوات (1292-1298هـ/1875-1880)، ثم عادت الى درجة سنجق تابع لولاية بغداد بين
سنتي (1298-1302هـ/1880-1884م)، ثم عادت لتكون ولاية تابعة للباب العالي مباشرة
حتى نهاية الحكم العثماني عام (1333هـ/1914م).





اما بالنسبة لسنجق المنتفق فقد كان مشيخة
فالغاها في آب عام(1869م/1286هـ)، وكون ادارة تتالف من متصرف وهو ناصر باشا
السعدون شيخ المنتفق السابق ومعاون للمتصرف وقاضي ومحاسب وعدد من الموظفين
الاداريين، وبنى مدينة الناصرية لتكون مركزا للسنجق الذي ضم اليه اربعة اقضية.



كما اسس دارا للحكومة، وبنيت الدور والاسواق
والخانات والمقاهي وجمع التبرعات لغرض انشاء جسر على نهر الفرات.



وفي اواخر عام 1288هـ/ 1871م نظم سنجقا
جديدا تابعا لولاية بغداد عرف باسم سنجق الاحساء، واتبع له قضائي قطر والقطيف
وناحيتي الجفر والمبرز . وعين الشيخ عبد الله بن صباح قائم مقام لقضاء الكويت
واتبعه الى البصرة، الا انه ظل مثار نزاع بين بريطانيا والدولة العثمانية.





كما اصبحت العمارة مركزا ابعا للبصرة وبنى
فيها الاسواق والخانات والثكنات العسكرية. وكذلك تم تغيير سنجق الديوانية الى سنجق
الحلة واصبح مركز سنجق الديوانية قضاء تابعا الى سنجق الحله.





ومن جهة اخرى فقد جاء في جريدة الزوراء انه كان
من الاسباب الموجبة لهذا التغيير هو ان ((المحل الذي يقال له ديوانية فهو عبارة عن
مقدار كم ماية بيت بحكم القرية ومن قرب الديوانية وجوارها قصبة الحلة من حيث
المساحة والموقع قابلة لان تكون مركز اللواء، بناء عليه المجلس والاقلام التي في
الديوانية تنقل الى الحلة ويتخذ مركز اللواء هناك)). واسس ناحية جديدة باسم
المدحتية.





كما قرر تاسيس سنجقا عرف باسم(سنجق شمر)
وقد حدد في امر (بيولدي) الى الشيخ فرحان باشا امير شمر الجربا وتعيينه متصرفا
عليه اذ جاء في الامر)) وجدنا من المناسب ان نخصص الاراضي
التي هي من تكريت الى حدود الموصل الواقعة الى يمين ساحل شط دجلة الى عشيرة شمر
وتكون متصرفية المنتفق وتحال تلك المتصرفية الى عهدتك وبعد ان تكسب هيئة توازي
امثالها ترسل العساكر اللازمة لمحافظتهم ويعطي الى المتصرف معاونا ومحاسبجيا وسائر
ما يلزم من المأمورين ويتعين له ما يقتضي من القائم مقامين والمديرين اولا فاولا
حسب الاقتضاء)).





وخلال زيارته مدينة كربلاء المقدسة واطلاعه
على واقعها، امر بانشاء محلة جديدة سميت (العباسية) خارج القصبة بسبب ضيق المدينة
وكثرة عدد سكانها وعدد الزوار الاجانب.





ولا ادل من حنكة مدحت باشا الادارية من
وضعه حلولا عالج فيها مشكلة توطين العشائر والحد من ثوراتها المستمرة من خلال
تمليكها الاراضي وتامين مستلزمات الزراعة، اذ فوض الاراضي المتروكة في مقابل
قيمتها حتى يمكن الفلاح من شراء قطعة لنفسه وحتى لاتقع الاراضي في يد كبار الملاك
واصحاب رؤوس الاموال. وخفض قيمتها عن الفلاح ليمكنه من اصلاح الارض وزيادة خصوبتها
فتعود على خزنة الولاية بارباح كثيرة وفي مناطق عديدة، واعفاء البساتين حديثة
الغرس من الضريبة لمدة ست سنوات تشجيعا لانتشار البساتين التي لها اثر كبير في
تحسين البيئة وجمالية المدن وما لذلك من اثر في زيادة الوعي الفكري والثقافي الصحي
والعمراني الناتج من ذلك.





والحق فانه يمكن ان نعد مدحت باشا من
الولاة القلائل الذين بذلوا جهودا استثنائية، اذا ماقورن بغيره من الولاة، في
محاولة جادة منه لاحداث نوع من التغيير في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية
والاقتصادية على الطراز الاوربي الحديث الذي كان معجبا ومتاثرا به والذي كان
العراق بامس الحاجة اليه وفقا لما يتماشى مع نمط الحياة السائد، مما حدا بكثير من
المؤرخين ان يصفونه بـ(ابي الاصلاح).



فقد كانت له اهتمامات جادة في توفير الخدمات
البلدية منها:





أ‌) مجال التنظيف
والتنظيم:



1- لقد ادرك الوالي مدحت باشا
ان من اولى واجبات المؤسسة البلدية القيام باعمال التنظيف ولما وجد ان كادر
التنظيف في البلدية لايفي بالتزاماته لقلة عدده او لضعف اخلاصه فقد عالج الموضوع
من خلال منح عملية تنظيف مدينة بغداد لملتزم يتولى انجازها بعد اعلان مناقصة وفقا
لنظام الازقة الصادر في 17 رمضان (1275هـ/1858م).



2- الاهتمام بردم كثير من
المستنقعات وتحويلها الى اراض صالحة للزراعة.



3- امر بشق قناة تربط بين
بغداد والفلوجة، وشق قناة الكنعانية، وتطهير عدة قنوات، مع تقوية سدة الهندية في
محاولة منه لتحسين وسائل الري لتوسيع رقعة الارض المزروعة وتشجيع العشائر على
الاستيطان بتامين مستلزمات الزراعة.



4- الاهتمام براحة الزوار
والمسافرين والوافدين الى بغداد والمدن الرئيسة الاخرى، حيث انشا في بغداد خانا
كبيرا وخانات قرب القائم والفحامة والصقلاوية وعلى طرف الشامية.



5- فتح حديقة عامة في جانب
الكرخ عرفت بالحديقة الوطنية(بستان الملة) اذ ذكرت جريدة الزوراء اخبارا عن تاسيس
الحدائق العامة والمتنزهات التي كان البغداديون يرتادونها، ومنها المتنزه المعروف
باسم(الحديقة الملكية)التي كانت قد تاسس اصلا في عهد الوالي نجيب باشا(842هـ/
1847م)، وقد اشارت الزوراء الى ان هذه الحديقة الواقعة"خارج باب الامام
الاعظم" قد اصبحت اليوم محلا للانس، وذلك انهم قد اشتروها من حساب البلدية
ونظموها في صورة مناسبة، واحيوا مادثر فيها حتى شيدوا داخلها قصرا لطيفا واسسوا في
وسط تلك البستان ،وسموها"بستان الملة" او "الحديقة العمومية".\



ب- مجال الصحة


قام ببناء مستشفى عام من خلال تبرعات الاهالي،
عرف بـ(مستشفى الغرباء) وكان مجانا، يدار من قبل اطباء البلدية وبعض المامورين،
كما امر بمنع الوافدين الى العراق ما لم يتزودوا بشهادة السلامة الصحية من دوائر
الحجر الصحي التي انشاها في اطراف السليمانية وراوندوز وخانقين ومندلي والبصرة،
وذلك للحد من انتشار امراض الطاعون والكوليرا، التي كانت تفتك بالاف الناس، ومن ثم
يمكن عد هذا الانجاز من اروع الاعمال الاصلاحية التي حققها هذا الوالي بمساعدة
الاهالي وبنية صادقة يجب الاشادة بها تاريخيا، فضلا عما حققه من اعمال او المنجز
منها، كما ويشير هذا الانجاز الى الترابط الحقيقي والفعلي بين وظائف البلدية
والوظائف الصحية، باستخدام اطباء البلدية في هذا المجال.





وقد دأبت جريدة الزوراء على الاهتمام
بالجانب الصحي وكرست عددا من صفحاتها لشؤون الصحة ونشر السبل الكفيلة في المحافظة
على صحة السكان في عددها الصادر في 16 اذار عام(1288هـ/1871م) هاجمت المسؤولين عن
تنظيف محلات مدينة بغداد واتهمتهم بعدم العناية بنظافة المدينة، ولم تأل الجريدة
جهدا في نشر اخبار تكريم بعض الاطباء والصيادلة(الاجزاجية) الذين يقومون بواجباتهم
على وجه الدقة، بمنحهم المداليات والنياشين.



هذا وقد علق على ذلك
احد مؤرخي الصحافة العراقية بقوله: (( ان ما فعلته الزوراء من الاهتمام بالصحة
العامة حفاظا على سلامة الناس، شبيه بما تفعله صحتنا اليوم من وسائل التوعية
الصحية اثناء انتشار الامراض)).





ج –مجال النقل
والمواصلات:





1- اعادة تشكيل شركة
(الادارة العثمانية النهرية) واصلاح بواخرها القديمة، حتى بلغ عدد البواخر التابعة
للادارة العثمانية ثمان، اربع منها تبحر بين البصرة واستنابول، واربع تستخدم
للملاحة النهرية بين دجلة والفرات وشط العرب.



2- تاسيس شركة مساهمة
لانشاء خط ترامواي بين بغداد والكاظمية ، حيث جلب لها العربات اللازمة من انكلترا
وتم فتح المشروع سنة 1871م، كما قرر استيراد عربتين تسيران بالبخار من اوربا تسحب
وراءها عربات لنقل الاهالي والبضائع الخفيفة تسير احداهن من جانب الكرخ، والثانية
من جانب الرصافة وتعمل حتى مدينة بعقوبة والخالص بعد ان حفر ثلاثة ابار على الطريق
لتزويد العربتين بالماء اللازم.









3- اقترح مدحت باشا انشاء
سكة حديد تصل الى كربلاء، والاهتمام بتنظيم الطرق بين الالوية، غير ان كثرة
التكاليف تتطلب موافقة الباب العالي على صرفها، ولعدم قدرة الحكومة على دعم
المشاريع الخدمية هذه نجد ان هذه المقترحات لم تاخذ حيز التنفيذ.



وهناك
بعض المشاريع الخدمية والعمرانية التي عني بها مدحت باشا والتي لم يال جهدا في
تحقيقها، منها:-





1- امر باستيراد مكائن
للطحين والارز بقوة سبعين حصانا، وخمس مكائن قوة كل واحدة منها اثنا عشر حصانا
لنقل الماء الى المساكن وباشراف البلدية، التي قامت بمد انابيب الماء الى الاحياء
واصلاح الشوارع العامة.



2- الغى بعض الضرائب التي
لم ينص عليها القانون والتي كانت تثقل كاهل الفرد وتحد من نشاطه الاقتصادي ، كما
خفف ضرائب زراعة البساتين من اصحاب النخيل بحسب مناطق زراعتها. واعفى بذور قصب
السكر الواردة الى الولاية من الرسم الكمركي.



3-
انشاء صندوقا لايداع الاموال(بنك) تمنح اصحابها فوائد
محددة وتقرض الناس بفائدة محددة ايضا.



4-
انشاء برجا بارتفاع 25م، وضع فيه ساعة كبيرة في منطقة
القشلة.



5-
بناء سجنا جديدا لعدم صلاحية السجن السابق.



6-
توسيع سراي الحكومة.



7-
العمل على توفير المواد الاساسية للمواطنين وخاصة في
الظروف الاستثنائية.



ادرك الوالي
مدحت باشا ان مستوى الخدمات التي تقدمها البلديات مرتبط بطبيعة الحال بالمستوى
التعليمي والثقافي الذي لم ينل حظه الكافي من العناية والاهتمام في العهود
العثمانية التي توالت على العراق، اذ انعكس عدم الاهتمام هذا بضعف الوعي الاجتماعي
التعليمي الذي لم يقدم الكوادر المتخصصة في المجالات العمرانية والادارية
والتخطيطية التي يتطلبها عمل البلديات انذاك اسوة بالدول الاوربية، هذا فضلا عن
انتشار الوباء الذي يؤدي الى هلاك لعشرات الالوف من البشر نتيجة ضعف الوعي الصحي
وقلة او انعدام الاطباء والمستشفيات، خاصة اذا ما علمنا بان الجانب الصحي كان جزءا
من عمل البلديات يوم ذاك.





وقد استوقفت ظاهرة كثرة المدارس
الدينية في بغداد وخلوها من اية مدرسة لتعليم الطلاب العلوم الاكاديمية والفنية،
مما دعى الى انشاء مدرسة للصناعة في بغداد عام (1288هـ/1871م) والتي كانت تعرف في
عهد مدحت باشا "مكتب السنية" كما عرفت باسم "مكتب الصنايع"،
ومدرستين اخريين في كل من الموصل وكركوك، كما جرت محاولة لفتح مدرسة صناعية في
البصرة الا انه لم يكتب لها انجاح في حينه.





وقام الوالي مدحت باشا بترميم المدارس
القديمة مثل(المدرسة العلية) في محلة الميدان لتكون مكانا لمدرسة الصناعة مستخدما
طابوق سور بغداد الشرقية لعدم وجود معامل للطابوق انذاك . وقد خصصت لتعليم الايتام
وابناء الاسر الفقيرة بعض الحرف والمهن التي لها صلة وثيقة بحياة السكان كالتجارة
ونسيج الاقمشة والحدادة وحياكة السجاد والخراطة وصنع الاحذية والخياطة والعمارة
واصول الطباعة. والملاحظ ان الوالي كان يرمي من وراء ذلك تحقيق هدفين، الاول خيري
والثاني اعداد الكوادر الكفوءة القادرة على تشغيل المعامل والمشاريع الصناعة التي
كان ينوي تاسيسها في العراق والنهوض بالصناعة المحلية للحد من ظاهرة استيراد بعض
المنتجات من الخارج.



وانيطت مهمة الاشراف على مدرسة الصناعة
للبلدية حتى عام 1906م، اذ غدا الاشراف على المدرسة بيد لجنة خاصة مكونة من كبار
موظفي الولاية.



وعينت السلطات الحكومية بعضا من خريجي
مدرسة الصناعة ممن قد درسوا علم المساحة اعضاءا في لجان توطين العشائر، كما حدث
مثلا في عام(1289هـ/1872م) حينما عين اربعة من خريجي مدرسة الصناعة كاعضاء في لجان
توطين العشائر في الحلة.



ولعل قيام مدحت باشا باعلان واردات ومصروفات
صندوق الولاية (صندوق اميني ) كل ثلاثة اشهر، والذي فيه يتم بيان تلك الواردات
والمصروفات وما يتبعها من متغيرات التي صرفت على ميزانية الولاية وحركة الصندوق
لهو دليل على نية مدحت باشا في مصارحة الناس واعلامهم بميزانية الولاية ومتغيراتها
وللحد من استشراء الفساد الاداري وسوء استعمال المال العام في غير موضعه.





ان المتتبع لسياسة الادارة العثمانية قبل القرن التاسع
عشر يجد ان الية مهامها توفير الحماية وحفظ الامن وجمع الضرائب، فلا تملك من
التقنيات ما يساعدها على تنفيذ فعاليات اخر. وكان دورها في الحياة الاجتماعية
والاقتصادية دورا رقابيا وتنظيميا الى حد ما، كالرقابة على اصحاب الحرف واعمال
البناء وتنظيم المؤسسات الخيرية والاوقاف.





ونتيجة للظروف السياسية والعسكرية
والادارية التي مرت بهاد الدولة العثمانية في بداية القرن التاسع عشر، والتي ادت
الى حال من التدهور والتفكك، فقد انبرى رجالها المثقفين لوضع ديباجة لعملية تنظيم مركزي
تشمل كافة المجالات الادارية والمدنية والعسكرية لانقاذ كيان الدولة من الاضمحلال،
فنجحت الدولة في ازالة الاداريين
المتسلطين واستحدثت عددا من المجالس المكلفة بتطبيق الاصلاحات التي نادى بها
السلطان محمود الثاني (1223هـ/ 1808م- 1255هـ/ 1839م)، وهذه المجالس هي نوع من
الاجهزة التشريعية، مهمتها مناقشة امور الدولة واصدار القرارات بشأنها، فالامور
القضائية يتولاها "المجلس الاعلى للاحكام العدلية" والامور الادارية
يتولاها "مجلس شورى الباب العالي"، والامور العسكرية يتولاها "مجلس
الشورى العسكري" كما اقيمت عدة مجالس مختلفة عام(1254هـ/ 1838م) للنظر في
شؤون الزراعة والتجارة والصناعة والاشغال العامة، وبذلك تخلت الدولة عن مؤسساتها
القديمة لتقيم بدلا منها مؤسسات اخرى حديثة.





وتم ايضا تنظيم اول تعداد للسكان، والكرانتية
(الحجر الصحي)، وغيرها من الاعمال التي شملها الاصلاح في عهد السلطان محمود
الثاني.



وليس من الممكن للاصلاحات التي تحققت في عهد
السلطان محمود الثاني او تنقذ الامبراطورية من وضعها المتهرء. وهذه الحقيقة جعلت
رواد الاصلاح يستمرون بدعواتهم الاصلاحية، حيث استطاع مصطفى رشيد باشا ان يستصدر
الفرمان السلطاني( خط كلخانة) الذي تلاه السلطان عبد المجيد (1255هــ/1839م-
1278هــ/1861م) في قصر (طوب قابو)، وتضمن بعض المبادئ منها: صيانة ارواح واموال
واعراض الناس، وحضر المصادرات، وعدالة الضرائب والنص بتحديد مدة الجندية.





ويعد مرسوم كلخانة الحلقة الاولى في سلسلة
مراسيم وقوانين صدرت في اعقابه تتضمن اعادة وتنظيم الاجهزة الادارية والمالية
والقضائية وتاكد على مشاركة الاهالي على مستوى الولاية واللواء والقضاء والناحية
لمراقبة الادارة والعمل على حل مشكلاتها، وياتي ذلك من خلال تشكيل مجلس الولاية
والسنجق والمجلس العمومي والمجالس البلدية والاختيارية والمجالس الادارية المحلية
التي الفت لمراقبة عمل الباشوات.





كما صدرت مجموعة من اللوائح التنظيمية التي جاءت
بخطط جديدة لتقسيم العمل في ادارة الولايات، واكدت على زيادة تاثير المركز ورقابته
ليتجه نحو الحكم المطلق، مما اتاح الفرصة لظهور تسلسل وظيفي محدود ومسؤوليات معينة
بين الاداريين. وانشاء الهيئات المخولة بالادارة والرقابة بشكل مستمر على كافة
التوصيات والاعمال التي تنجزها الهيئات الاقل، وتطبق الرقابة في اطار نظام ادارة
الولايات الذي اخذ طابع المركزية وازالة الحكم الاستبدادي المطلق للباشا.





وقد صدرت كثير من القوانين لاصلاح شؤون الحياة
في معظم الاصعدة، وايجاد نظاما اداريا يسمح للدولة بالسيطرة على المزارعين لتحقيق
اقصى مايمكن تحقيقه من الايرادات بعد فرض الضرائب على الزراعة والتجارة
الخارجية(الكمارك) في اعقاب التغلغل الاوربي في الاقتصاد العثماني.





الا ان هذه الاصلاحات لم تاخذ حيز التنفيذ في
العراق بصورة جدية بسبب انعدام الوسائل الكفيلة بتنفيذها، ذلك ان الادارة
العثمانية لم تتخل عن اساليبها التقليدية في الادارة وتمسكها بتطبيق نظام الالتزام
(الذي وصفه خط كلخانة بانة من الات الخراب)، الذي اثر كثيرا على اختيار الولاة
المعينون (الذين يدفعون اكثر)، ومعظمهم يفتقرون الى السياسة الرشيدة في حل المشاكل
التي تواجههم وبالاخص مشكلة العشائر والتي شكلت انتفاضاتها قلقا وتهديدا جديين
للادارة العثمانية، والمتمثلة بولاتها الذين لم يضعوا سياسة محددة يتعاملون
بوساطتها مع العشائر العربية والكردية، والتي لم يغير النظام الجديد شيئا من
حياتها القاسية وطريقة معيشتها البدائية، فكانت معرضة دوما للمجاعات المهلكة
والامراض المبيدة.





ولاجل اخضاع هذه العشائر التي كانت معظم
انتفاضاتها بسبب التعسف في جباية الضرائب فالولاة لم تكن لهم سياسة حكيمة في
اخضاعها، فمنهم من يتبع سياسة التفكيك بالعنف والقسوة، وكان الوالي نجيب باشا اول
داعية لتفكيك هذه القبائل بالقوة. واخر يتبع سياسة اثارة الفتن لكي تتنازع فيما
بينها وتكون الدولة في منأى ولو الى حين، ومنهم من اتبع سياسة استبدال شيخ بآخر
مما يزيد من حال الفوضى والانحدار والتناحر في سبيل المشيخة. وعلى نطاق ضيق كانت
هناك محاولات لاخضاع العشائر من خلال تهيئة الوسائل الكفيلة باستيطانهم وتعيين
شيوخهم ومنحهم لقب باشا ودفع رواتب لهم مقابل اخضاعهم لسلطة الدولة، ومعاونتها في
توطيد الامن في مناطقها والطرق القريبة منها. والانتظام في دفع الضرائب المفروضة
عليها باسلوب الالتزام الذي يضمن للحكومة دخلا من دون ان تبذل جهدا ما، وبذلك نجحت
الدولة الى حد ما من السيطرة على بعض العشائر من خلال منح السلطة لشيوخهم، اذ
لاتستطيع حركة داخل العشيرة ان تعزلهم. اذ ان من مصلحته ان تبقى الدولة على الشيخ
الموالي لها والتمسك معه بهذه العلاقة حفاظا على استمرار الحصول على المرتبات
النقدية.





ومما لاشك فيه ان نجاح الدولة في السيطرة على
العشائر لم يات بنتائج تخدم مصلحة المواطن، فقد ظل الوضع الاقتصادي مترديا بسبب
تردي الزراعة التي هي دعامة المجتمع العراقي يوم ذاك نتيجة لقساوة شروط تاجير
الاراضي الزراعية وانحطاط نظام الري وكثرة الفيضانات مقابل انعدام الاهتمام ببعض
السدود المهمة، وتاخر اساليب الزراعة، وارتفاع الضرائب وسوء جبايتها ثم سوء حال
الطرق والمواصلات وانخفاض مستوى الامن، مما حدى بالفلاح العراقي العمل في ظروف
سيئة وبأجور متدنية لاتفي بمتطلبات الواقع الحياتي المعاش.





ولم يكن العامل العراقي اوفر حظا من الفلاح اذ
كان يقاسي من الجور والتعسف وضنك العيش بسبب الاساليب التي كان يتبعها الموظفون
العثمانيون. الامر الذي ادى معه الى تكوين النواة الاولى للطبقة العاملة.





ويبدو من ذلك كله ان مجمل القوانين
والاجراءات الاصلاحية لم يظهر اثرها على المدينة العراقية، فبقيت تعاني من
الاهمال، فالشوارع ضيقة تضاء بمصابيح زيتية قليلة العدد، والمياه تنقل من الانهار
والابار في ( قرب) وعلى ظهور الحمير مع انعدام المؤسسات الصحية، فخدمات الحجر
الصحي محصورة في المدن الكبيرة وكان التداوي يتم على ايدي الحلاقين او الفآلين
والدجالين الذين يستعملون الاعشاب في العلاج احيانا.





اما الاسواق فقد كان يجوبها جنود(جيش العساكر
المنصورة)، لمساعدة الملتزمين في جباية الضرائب التي تزداد ولا تنقص مثل (يومية
الدكاكين، والدمغة ، ورسم الوزن او القنطارية وغيرها)، والتي كانت تزيد من معاناة
التجار واصحاب المهن فضلا عن مشكلات تداول العملة المزيفة.





والجدير
بالذكر ان نظام الالتزام في جباية الضرائب قد ابطل بعد صدور مرسوم كلخانة، وعين
موظفون مختصون بجبايتها دعوا بـ(المحصلين) يعملون تحت ادارة موظف يدعى
بـ(المستوفي). الا ان ذلك كله لم يستمر طويلا فعاد نظام الالتزام وبقي بكل مايحمله
من قهر وارهاق الناس في جباية الضرائب المتبع حتى نهاية الحكم العثماني على
العراق.





ونرى ان من بين الاسباب التي كانت وراء
اهمال الادارة العثمانية في تطبيق الاصلاحات الخدمية والعمرانية هو تكليف الولاة
بقيادة الجيش في محاولات اخضاع القبائل وارجاع المدن والمناطق التي تحكمها الاسر
والعصبيات الى الحكم المباشر للدولة، تلك المحاولات التي كانت مستمرة منذ عام
(1247هـ/1831م)، ولم يشهد العراق في تلك الفترة سوى اصلاحات يسيرة تهدف في معظمها
الى تحقيق هذه الغاية .





ومما تجدر الاشارة الية الى ان حركة الاصلاح
قد شهدت في اواخر عهد السلطان محمود الثاني تقدما ملحوظا عندما اقيمت في اواخر عام
1253هــ/1837م عدة مجالس مختلفة للنظر في شؤون الزراعة والتجارة والصناعة والاشغال
العامة، كما تم تشكيل لجنة دائمة تخطط للاصلاح تخطيطا شاملا، الا ان ذلك كله لم
ينعكس على الادارة الحكومية ومؤسساتها في الايالات الا قليلا، فقد ظلت الادارة في
عهده على حالها تقريبا دون تغيير او تقدم ملموس ولم تنفع لاصلاحها تلك المركزية
التي اتبعها السلطان في حكم الايالات لانها كانت امرا غير عملي عند التطبيق وخاصة
في الايالات البعيدة كايالة بغداد، اذ بقيت على حالها من دون تغيير كبير، لبعد
العراق اولا، ولعدم قدرة الوالي علي رضا في ادارة الايالة الذي اتصف بالتبذير
والافراط في صرف الاموال الحكومية في غير اوجهها الصحيحة، وعمل على ابقاء نظام
الالتزام في جباية واردات الدولة، فقد وصفه عباس العزاوي بانه: اضر على العراق من
ادارة المماليك، الا ان الخطوة الوحيدة التي اخطاها في مجال تطبيق الاصلاحات، هي
ادخال نظام المختارين .





وقبل الانتقال الى عهد التنظيمات لابد من
الاشارة الى ان الاصلاحات التي قام بها السلطان محمود الثاني كانت الباعث الاساسي
لاصدار البرامج الاصلاحية التي خطها رجال الدولة والتي اقرها السلاطين فيما بعد
حتى اوائل القرن العشرين.





واذ يرى اللورد(ايفر سلي) ان السلطان محمود
الثاني اوشك ان يصدر مرسوما شاملا، الا ان الموت عاجله ولم يمكنه من تحقيق ما كان
يصبو اليه.





وبتولي السلطان عبد المجيد الصغير السن
انذاك (1255-1278هـ/1839-1861م) وتعيين مصطفى رشيد باشا كناظر للشؤون الخارجية
للبلاد العثمانية، حتى بدأت الحركة الاصلاحية الثانية التي كانت بداية لما عرف
بـ(عهد التنظيمات) الذي بدأ باعلان السلطان للمرسوم الاصلاحي خط (شريف كولخانة)
سنة (1255هـ/1839م) وخط همايون (1273هـ/1856م)، حتى اعلان الدستور العثماني الذي
عرف بـ(القانون الاساسي) سنة (1293هـ/1876م).





وهكذا فقد طرأت على الادارة العثمانية في
عهد التنظيمات تغيرات نتيجة للاصلاحات التي قام بها السلاطين عندما وجدوا ان حال
الدولة يحتاج الى تنظيم متكامل والاتجاه نحو عملية تقنين جديدة تستلهم النظام
الاوربي في كافة الميادين.





ولابد من الاشارة ان حركة الا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mobashar.alafdal.net
 
حركة الاصلاح وعهد التنظيمات في الدولة العثمانية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المبشر العلمية - الثقافية - الاجتماعية - الشاملة :: العلوم الجامعية :: منتدى العلوم الادبية الاخرى-
انتقل الى:  
القران الكريم
 
اوقات السمر

صفحة جديدة 1

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

mobashar group الساعة الأن بتوقيت (السودان)
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات المبشر
 Powered by Aseer Al Domoo3 ®المبشر قروب 

حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010

mobashar grou
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
القانون التعامل كلية نتائج محاضرة
الدردشة|منتديات المبشر العلمية