الكلام وما يتألَّف منه
«الكلام هو اللفظ المركَّب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة: اسمٌ، وفعلٌ،
وحرفٌ جاء لمعنى، فالاسم يعرف بالخفض والتنوين ودخول الألف واللام وحرف
الخفض، وهي: من، وإلى، وعن، وعلى، وفي، وربَّ، والباء، والكاف، واللام،
وحروف القسم وهي: الواو والباء والتاء».
بدأ المؤلف -رحمه الله- بالكلام؛ لأنّ النحو لإقامة الكلام فلا بدَّ أن
نفهم ما هو الكلام؟ قال: «الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع».
ويريد بالكلام هنا في اصطلاح النحويين و«اللفظ» معناه: هو النطق باللسان،
المركب: يعني: تركيباً إسناديَّاً تحصل به الفائدة بخلاف الكلام المركب
تركيباً إضافياً هذا ليس بكلام؛ لا بدّ أن يكونَ تركيباً إسناديَّاً المفيد
فائدة يحسن السكوت عليها ولو اشترط أن تكون الفائدة جديدة حتى لو كان
بفائدةٍ معلومةٍ فلا بأس يسمَّى كلاماً.
فخرج بقولنا «اللفظ» خرج به الكتابةُ؛ فالكتابة عند النحويين ليست كلاماً،
وخرج به الإشارة؛ فالإشارة ليست كلاماً ولو فُهمت؛ ولهذا لو قلت لإنسان
واقفٍ [بإشارة الجلوس] معناه: اجلسْ، لكن ما سُمي كلاماً، ولو قلت: «اجلس»
صار كلاماً، ولو رأيت شخصاً واقفاً فكتبت في ورقةٍ: «اجلس» فإنه لا يسمَّى
كلاماً عند النحويين، لماذا؟ لأنه ليس بلفظ، هو يُسمَّى كلاماً في الشرع
ويُسمّى كلاماً عند الفقهاء، لكن لا يسمَّى كلاماً في اصطلاح النحويين،
وإلا فإنّ الرسول جعل الوصية المكتوبة كالوصية المنطوقة، قال: «ما حقُّ
امرئ مسلم يبيتُ ليلتين [له شيءٌ يريدُ أن يُوصي فيه] يبيتُ ليلتين إلا
ووصيته مكتوبة عنده»(1).
حسناً؛ «المركب»: يعني الذي يتركبُ من كلمتين فأكثر ولو تقديراً، انتبه:
تركبَ من كلمتين فأكثر ولو تقديراً، فإذا قلتَ: «هل» هذا لفظ أم غير لفظٍ؟
«هل» لفظٌ، هو لفظ لكنه ليس مركباً، فلا يسمّى كلاماً عند النحويين، لا بدّ
أن يتركب من كلمتين فأكثر تحقيقاً أو تقديراً، فمثلاً التحقيق إذا قلت:
«قام زيدٌ» هذا مركب من «قام» و «زيد» تحقيقاً، وتقديراً إذا قلت: «قُمْ»
هذا ما تركب [لم يتركب] من كلمتين تحقيقاً ولكن تقديراً؛ لأنّ «قم» فيها
ضمير مستتر في قوة البارز فهي مركبة من كلمتين.
«المفيد»؛ المراد بالمفيد: ما أفاد السامع بحيثُ لا يتشوف بعده إلى
غيره،هذا المفيد، نعم، ما أفاد السامع فائدة لا يتشوف معها إلى غيره.
فإذا قلت: «نجح الطالب» هذا أفاد أم لا؟ . . . أفاد؛ لأنّ السامع ما يتشوف
إلى غير هذا، لكن إذا قلت: «إن نجح الطالب» هذا مركب لا شكَّ في ثلاث
كلمات: «إن»، «نجح»، «الطالب»، ثلاث كلمات، لكنه لم يفد؛ فالسامعُ إذا قلت
له: «إن نجح الطالبُ» فهو يتشوف، إذنْ، لا نسمي هذا كلاماً، لماذا؟ لأنه
لم يفد، لم يفد فائدة لا يتشوف السامع بعدها إلى غيرها.
حسناً؛ لو قلت: «إن نجح غلامُ غلامِ عبد الله الحسناً الطاهر . . .» كلمات
كثيرة، يكون كلاماً أم لا؟ لا يكون كلاماً، لماذا؟ لأنه ما أفاد، نفس
السامع يقول: ها أعطني الفائدة، إذنْ لا بدّ من فائدةٍ لا يتشوف السامع
بعدها إلى شيء.
ولا فرق بين أن تكون الفائدة جديدةً أو معلومةً، فلو قلت: «السماء فوقنا»،
كان كلاماً صح أم لا؟ هو كلام مع أنه معلوم، «الأرض تحتنا» . . كلام أم غير
كلام؟ كلامٌ يفيد.
كأنَّنا والماء من حولنا
قومٌ جلوسٌ حولهم ماءُ
مفيد أم غير مفيد؟ مع أنّ هذا تحصيل حاصل، «إذا كان الماء حولكم فأنتم جلوس حول الماء».
حسناً؛ على كلّ حال المفيد: ما نقول: فائدة لا يتشوف السامع بعدها إلى شيء،
سواء كانت هذه الفائدة معلومةً للسامع من قبلُ أو جديدة، لا فرق.
حسناً، قوله «بالوضع» مرادُهُ بالوضع أحد أمرين أو إن شئت فقل أمران:
الأول: أن يكونَ الواضعُ له قاصداً وضعه، فخرج بذلك كلام السكران والمجنون
والنائم والهاذي . . هذا ما يسمّى كلاماً؛ لأنّ واضعه ليس قاصداً له.
ومعنى آخر للوضع أي: للوضع العربي، فلو جاءنا كلامٌ يفيد فائدة لا يتشوف
بعدها إلى شيء لكن العرب لا يفعموه –نعم- فإنه لا يسمّى كلاماً، لا بدّ أن
يكون بالوضع العربيّ بمعنى: أنه مطابق للغة العربية، وإلا لم يكن كلاماً
عند النحويين.
إذن كم قيد أقول؟ اللفظ، المركب، المفيد، بالوضع، لا يكون الكلام كلاماً
إلا بهذه القيود الأربعة، «اللفظ» إذن خرج منه الكتابة والإشارة ولو فهمت،
«المركب»: ما لم يفد وإن تركب من ألف كلمة، ما دام لم يفدْ فليس بكلام،
«الوضع»: قلت يحتمل معنيين بالوضع من المتكلم به بأن يكون قاصداً له،
بالوضع: من حيث اللغة العربية بأن يكون مطابقاً للغة العربية؛ لأنّ كلامنا
بالنحو الذي نريد أن نطبق كلامنا به على اللغة العربية.
حسناً، إذا قال قائل: «بسم الله الرحمن الرحيم» هل هذا كلام أم غير كلام؟
كلام، هل هو مركب من كلمتين فأكثر حقيقةً أو تقديراً؟ تقديراً؛ لأنّ
التقدير: «بسم الله اقرأ»، لو لم تقدر «اقرأ» ما صار كلامناً، عرفتم؟ يعني:
لولا أننا نقدر «اقرأ» «بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ» ما صار كلاماً،
ولهذا لا تقول: «الرجل القدير البارع الفاهم» وتجيء تأتي بألفاظٍ عديدة ما
صار كلاماً حتى تأتي بالشيء المفيد؛ لأنّ السامع لا يزال يتطلع أو يتشوف
إلى شيء.