الإدارة الاستراتيجية في الأجهزة الحكومية
مفهوم الإدارة الاستراتيجية :
" عملية تكييف المنظمة لتتلاءم مع بيئتها بما يضمن تحقيق أغراضها واستمراريتها على المدى البعيد بصورة أفضل " .
أما ثومبسون Thompson واستركلاند Stricland فيعرفاها بأنها " رسم الاتجاه المستقبلي للمنظمة وبيان غاياتها على المدى البعيد ، واختيار النمط الاستراتيجي الملائم في ضوء العوامل والمتغيرات البيئية داخلياً وخارجياً ثم تنفيذ الاستراتيجية وتقويمها ".
تطور مفهوم الإدارة الإستراتيجية :
تطور الفكر الإداري في مجال الإدارة الإستراتيجية من خلال عدة مراحل يمكن التعرض لها على النحو التالي:
المرحلة الأولى : التوجه بالتخطيط طويل المدى :
تشمل هذه المرحلة ما بذل من محاولات فى الفترة السابقة على الستينيات من هذا القرن ، إذ كان التركيز على اتخاذ القرارات ذات التأثير الواسع فى حياة المنظمات، وبالتالي تمثلت الجهود الإستراتيجية في العمل على تحقيق النمو الداخلي ، أو إنتاج إستراتيجية لتنويع المنتجات ، أو إستراتيجية للتخفيض وتقليص حجم العمليات، أو التركيز السوقي ، أو الانتشار من خلال خفض الأسعار .
المرحلة الثانية : التوجه الإستراتيجي المحدود :
ركزت هذه المرحلة على الانطلاق من التخطيط طويل المدى إلى التخطيط الإستراتيجي وظهور ما يسمى بإستراتيجية الإدارة وما يلزمها من خطوات تتطلب وضع الغايات والأهداف والقيام بعمليات التحليل الإستراتيجي والتنبؤ ، والاختيار الإستراتيجي لانتهاز الفرص وتجنب المخاطر، والتطبيق الإستراتيجي مع الرقابة على تلك الخطوات وتقييمها.
المرحلة الثالثة : التوجه البيئي :
اهتم الكتاب والممارسين خلال هذه الفترة بدراسة وتحليل العوامل البيئية للتعرف على مدى تأثيرها على أنشطة ومهام المنظمات حيث لوحظ أن متغيرات البيئة أصبحت معقدة وغير مستقرة ، وتغلغل الاهتمام إلى ما وراء الموردين والمنافسين ، فتركزت دائرة الضوء على دراسة العوامل البيئية الداخلية والخارجية نتيجة تعدد الشركات وكبر حجمها وزيادة المناداة بتدعيم الدور الإجتماعى في المنظمات ، وبروز أثر الثقافة التنظيمية في نجاح المنظمة ويمكننا أن نطلق على هذه المرحلة ( الفترة الزاهية ) لدراسات الإدارة الإستراتيجية.
المرحلة الرابعة : التوجه الإستراتيجي المتكامل :
تعد هذه المرحلة من أعقد المراحل ، وتمثل المرحلة المعاصرة ، والمتوقع أن تسود خلال الفترات المستقبلية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين ، ويمكننا أن نطلق على هذه المرحلة ( الفترة الساطعة ) في دراسات وممارسات الإدارة الإستراتيجية ، ومن أهم الأبعاد المميزة لهذه المرحلة :
إن الإستراتيجية تمثل ذلك التصور العام الذي تحب أن تكون عليه المنظمة وتسعى لتحقيقه .
إن الاتجاه المعاصر يركز على مقومات مبدأ الإستراتيجية دون الدخول تفصيلاً فى بيان خطوات الإستراتيجية.
إن الإستراتيجية الإدارية وسيلة تحقيق تماسك التنظيم داخلياً وتحديد وجهته خارجياً.
أهمية الإدارة الاستراتيجية :
ولكي نقنع المنظمات الحكومية أكثر بضرورة ممارسة الإدارة الاستراتيجية ، سنوضح الفوائد المتحققة لها من ممارستها :
1- تتغير الظروف المحيطة بالمنظمات بسرعة فائقة ويعتبر أسلوب الإدارة الاستراتيجية هو الأسلوب الوحيد الذي يُمكن المنظمات من توقع المشكلات والفرص المستقبلية .
2- تتفوق المنظمات التي تمارس الإدارة الاستراتيجية في أدائها عن المنظمات التي لا تمارسها ، وذلك للفوائد التي تجنيها من خلال تطبيقها لهذا المفهوم والتي من أهمها :
- تُوفر الإدارة الاستراتيجية أهداف واتجاهات واضحة عن مستقبل المنظمة لجميع العاملين بها.
- المساعدة في تخصيص الموارد على أوجه الاستخدامات المتعددة للأنشطة المختلفة في المنظمة .
- المساهمة في إعداد وتهيئة القيادات العليا وتنمية مهاراتهم القيادية من خلال المشاركة في أنشطة الإدارة الاستراتيجية .
- مساعدة المديرين على التحول إلى الأداء المبادر وليس الأداء بردود الأفعال .
- مساعدة متخذي القرارات الحكومية على تحسين جودة قراراتهم ، فعدم تطبيق الإدارة الاستراتيجية في المنظمات الحكومية يؤدي إلى زيادة التكلفة الناتجة عن سوء اتخاذ القرارات ، وفشل الإدارة الحكومية في التعامل مع الملامح المتشابكة للإدارة العامة مثل تصارع القيم ، والغموض وعدم التأكد البيئي ، وعدم وضوح المعلومات عن الأداء .
إجمالاً يمكن القول بأن الإدارة الاستراتيجية إدارة واعدة وذلك للمزايا العديدة التي من الممكن أن توفرها على صعيد الحساسية الملحوظة تجاه الرؤيا المستقبلية للمنظمة وتعزيز الاستيعاب والفهم للتغير والتطور المستمرين للبيئة الداخلية والخارجية وتحديد إمكانية الملاءمة بين المنظمة وهذه التغيرات .
مستويات الإدارة الاستراتيجية :
من المفيد جداً عند دراسة الإدارة الاستراتيجية أن ننظر إلى المستوى الذي يتم عنده ممارستها ، ويمكننا أن نفرق بين ثلاثة مستويات للإدارة الاستراتيجية وهي : الإدارة الاستراتيجية على مستوى المنظمة ككل ، والإدارة الاستراتيجية على مستوى وحدة النشاط الاستراتيجي ، وأخيراً الإدارة الاستراتيجية على المستوى الوظيفي . وفيما يلي تفصيلها :
الإدارة الاستراتيجية على مستوى المنظمة :
يمكن تعريف هذا المستوى من الإدارة الاستراتيجية بأنه إدارة الأنشطة التي تحدد خصائص المنظمة التي تميزها عن المنظمات الأخرى ، بالإضافة إلى أهداف ، ورسالة المنظمة ككل ، بالإضافة إلى تخصيص الموارد المتاحة لإنجاز أنشطتها . وبناءً على التعريف السابق فإن مسؤولية الإدارة الاستراتيجية في هذا المستوى تقع على عاتق الإدارة العليا للمنظمة ، حيث يقومون بدورهم الاستراتيجي من خلال امتلاكهم الرؤيا الشاملة لتطوير الاستراتيجيات للمنظمة ككل .
الإدارة الاستراتيجية على مستوى وحدة النشاط الاستراتيجي :
تمثل الإدارة الاستراتيجية في هذا المستوى الخطط والاستراتيجيات التي تخص نشاط محدد داخل المنظمة ، فقد يكون لدى المنظمة أنشطة مختلفة كالتعليم الفني ، والتعليم التقني ، والتدريب المهني ، فكل نشاط منها يعتبر مجال مستقل بذاته وله مدير مسئول عنه فنطلق عليه وحدة النشاط الاستراتيجي . أما إذا لم تتعدد الأنشطة داخل المنظمة أي أن المنظمة تعمل في مجال واحد فقط ، فهذا يعني أن الاستراتيجية على مستوى المنظمة وعلى مستوى وحدة النشاط الاستراتيجي تكوّن استراتيجية واحدة . وتقع مسؤولية الإدارة الاستراتيجية على مستوى وحدة النشاط الاستراتيجي على عاتق مديري الأنشطة الرئيسية في المنظمة .
الإدارة الاستراتيجية على المستوى الوظيفي :
تحدد الإدارة الاستراتيجية في هذا المستوى الخطط والاستراتيجيات اللازمة لإدارة الوظائف الفرعية داخل النشاط ، وهي لازمة لتدعيم وتقوية استراتيجية النشاط وصبغها بالصبغة العملية لتحقيق الاستراتيجية العامة للمنظمة . وعادةً ما تميل المنظمات إلى وجود وحدات تنظيمية مستقلة لكلٍ من الشؤون المالية ، والموارد البشرية ، حيث تمثل هذه الوحدات الإدارة الاستراتيجية على المستوى الوظيفي ، ويعتبر مديريها مسئولين عن الاستراتيجيات الوظيفية كلٌ على حسب وظيفته
مراحل الإدارة الاستراتيجية :
تعددت النماذج التي تناولت مراحل الإدارة الاستراتيجية ، فهنالك من يسبق الإدارة الاستراتيجية بمراحل تحليلية مختلفة وهنالك من يُضَمِنها هذه الجوانب التحليلية ، إلا أن معظم الباحثين في مجال الإدارة الاستراتيجية قد اتفقوا على أن الإدارة الاستراتيجية تشتمل على مكونات أساسية وهي : صياغة الاستراتيجية – تنفيذ الاستراتيجية – وتقويمها ، في حين اختلفوا بشكلٍ أو بآخر على المكونات الفرعية لكل مكون أساسي . ولتوضيح هذه المراحل ومكوناتها سنتناولها بالتفصيل على النحو التالي :
مرحلة صياغة الاستراتيجية :
تتم صياغة الاستراتيجية في ضوء تحديد رسالة المنظمة ، ويراعى في ذلك المتغيرات في كلٍ من البيئة الخارجية والبيئة الداخلية أي أن هذه المرحلة تتضمن مجموعة من الأنشطة تتمثل في تحديد رسالة المنظمة ، وأهدافها الاستراتيجية ، والسياسات ، والخطط الاستراتيجية ، بالإضافة إلى تحليل وتقييم البيئة الخارجية والداخلية للمنظمة ، وتحديد البدائل الاستراتيجية ، تقييم واختيار البدائل الاستراتيجية وفيما يلي توضيح هذه الأنشطة :
تحديد رسالة المنظمة : وهي عبارة عن بيان رسمي صريح يوضح سبب وجود المنظمة وطبيعة النشاط الذي تمارسه وتمثل الخصائص الفريدة في المنظمة والتي تميزها عن غيرها من المنظمات المماثلة لها ، وهي تختلف عن غرض المنظمة والذي يعبر عن الدور المتوقع من المنظمة في مجتمعها. وتعتبر عملية صياغة الرسالة عملية صعبة وتستغرق وقت طويل لكنها ضرورية حيث أنها توفر للمنظمة أساس جيد للتحفيز وتخصيص مواردها المختلفة بطريقة أكثر كفاءة ، كما تساهم في بناء لغة واحدة ومناخ مناسب داخل المنظمة ، وتضع أساس جيد لبلورة أهداف محددة بوقت وتكلفة ومستوى جودة محدد ، ولتحقيق هذه المزايا من الرسالة لابد أن تتوفر بها الخصائص الأساسية التالية :
- أن تعبر عن فلسفة المنظمة وما ترغب أن تكون عليه مستقبلاً بصورة شاملة وواقعية .
- أن تتطابق مع غايات المنظمة وأهدافها الاستراتيجية .
- قدرتها على خلق حالة من التكامل بين أجزاء المنظمة ومكوناتها
أهمية وضع رسالة واضحة:
يرجع اهتمام الشركات بتحديد رسالتها لعدة أسباب منها :
ضمان الإجماع على غايات وأغراض واحدة للتنظيم.
بناء أسلوب وطابع عام، ومناخ تنظيمي موحد.
تسهيل عملية ترجمة الأهداف إلى أعمال تحتوي على مهام وأنشطة.
الإمداد بالأسس الواضحة والمعايير المحددة لعملية الاختيار الاستراتيجي.
تحديد الأهداف الاستراتيجية : تمثل هذه الأهداف النتائج التي تصبو المنظمة إلى تحقيقها في المستقبل ، ومن الأمثلة عليها : وصول خدمات المنظمة إلى جميع مناطق الدولة ، تطوير العاملين ، زيادة الإنتاجية إلى مستوى معين. ويفضل أن تكون هذه الأهداف محددة ويمكن قياسها وتحقيقها أي تتسم بالواقعية والانسجام مع الأهداف الأخرى للمنظمة كالأهداف قصيرة الأجل. ولكن في القطاع الحكومي وضع الأهداف الاستراتيجية يعتبر عملية صعبة ؛ حيث أنها تحتاج إلى نظرة مشتركة أو اتفاق لما سوف تكون عليه المنظمة مستقبلاً .
السياسات : وهي " مجموعة من المبادئ والقواعد التي تحكم سير العمل والمحددة سلفاً بمعرفة الإدارة ، والتي يسترشد بها العاملون في المستويات المختلفة عند اتخاذ القرارات والتصرفات المتعلقة بتحقيق الأهداف " . ومن المهم أن ننظر إلى السياسات من خلال ثلاث مستويات أساسية وهي :
المنظمة ، وظائفها ، وعملياتها . أي أن السياسات قد تكون على ثلاثة أنواع : النوع الأول يمثل السياسات على مستوى المنظمة وتتضمن السياسات التي تعكس رسالة المنظمة كما أنها تستخدم كمرشد لتقييم استراتيجيات المنظمة ، أما النوع الثاني فهو يشمل السياسات الوظيفية وهي التي تتعلق بالنشاطات والأعمال داخل إدارات المنظمة وتتصف بأنها على درجة عالية من التفصيل والتحديد ، أما النوع الأخير فهو يمثل السياسات التشغيلية التي تهتم بالقرارات التي تتعلق بالعمليات اليومية للمنظمة
الخطط الاستراتيجية : وتعرف بأنها " الخطة الشاملة التي تحدد كيفية إنجاز أهداف المنظمة ورسالتها " وتصنف حسب البعد الزمني المرتبط بها فالخطة قصيرة المدى توضع لإنجاز هدف قصير المدى بينما توضع خطة متوسطة المدى أو طويلة المدى لإنجاز هدف متوسط المدى أو طويل المدى فلا بد أن يتم التخطيط على أساس الأهداف الاستراتيجية وليس العكس ، فالتخطيط يحدد الكيفية التي تؤدي بالوسائل لبلوغ الهدف .
تحليل وتقييم البيئة الخارجية : تتألف البيئة الخارجية لأية منظمة من أعداد غير محدودة من المتغيرات الكامنة خارج نطاق المنظمة والتي تتفاعل مع عملها وتؤدي إلى دعمه أو عرقلته وسنستعرض أربعة متغيرات أساسية تكوّن في مجموعها المحاور الأساسية للبيئة الخارجية ، وما يهمنا هو آثار هذه المتغيرات البيئية على الإدارة الاستراتيجية وهي : المتغيرات الاقتصادية ، الاجتماعية ، السياسية ، التكنولوجية . وتأثير هذه المتغيرات يختلف باختلاف طبيعة وأنواع المنظمات القائمة في البيئة وفيما يلي توضيح موجز لهذه المتغيرات :
المتغيرات الاقتصادية : تشتمل على الإطار الاقتصادي العام للدولة ، بما في ذلك نوع التنظيم الاقتصادي والملكية الخاصة والعامة ، بالإضافة إلى السياسات المالية .
المتغيرات السياسية : وتوضح درجة الاستقرار السياسي ومدى تدخل الحكومات في ميادين الأعمال وتأثيرها على أداء المنظمات .
المتغيرات الاجتماعية : وتتكون من التقاليد ، والقيم والأطر الأخلاقية للأفراد في مجتمع المنظمة ، دور المرأة في المجتمع ، وارتفاع مستوى التعليم
المتغيرات التكنولوجية : وتشمل كلٍ من التغيرات التي تحدث في البيئة الفنية والتغيرات الحديثة في التقنية ، كزيادة الاعتماد على الحاسبات الآلية
ونظراً لتأثير هذه المتغيرات على أداء المنظمة ، فلابد أن يقوم المسئولون عن الإدارة الاستراتيجية بجمع البيانات المتكاملة عن المتغيرات في البيئة الخارجية بصفة مستمرة ، من حيث نوعها وتحديد أسلوب جمعها وكيفية الحصول عليها ( من مصادر داخلية أم خارجية ) ومن ثم تنظيمها وتحليلها ؛ لاكتشاف الفرص المتاحة أمام المنظمة ، والتهديدات التي تواجهها ، ويقصد بالفرص تلك الظروف المحيطة بالمنظمة في فترة زمنية محددة والتي تعمل المنظمة على استغلالها للقيام بأعمالها وتحقيق أهدافها ، أما التهديدات فتمثل الأحداث المحتملة والتي إذا ما حصلت فسوف تسبب خطراً أو آثار سلبية للمنظمة .
دراسة البيئة الداخلية : الهدف الرئيس لدراسة البيئة الداخلية للمنظمة هو تحديد العوامل الاستراتيجية فيها ، ومن ثم تقييمها لمعرفة نواحي القوة والضعف في المنظمة أي تحديد العوامل التي يمكن التركيز عليها باعتبارها تمثل قوة للمنظمة ويقصد بها الخصائص التي تعطي المنظمة إمكانيات جيدة تعزز عناصر القوة لديها وتساهم في إنجاز العمل بمهارة وخبرة عالية بالإضافة إلى تشخيص العوامل التي يستوجب استبعادها أو معالجتها باعتبارها تمثل نقاط ضعف في المنظمة ويقصد بها المؤشرات التي تدل على نقص في إمكانات المنظمة ( الدوري ، 2005م : 139 ، 155) . ومن الممكن تصنيف البيئة الداخلية إلى ثلاثة محاور أساسية هي : الهيكل التنظيمي ، والثقافة التنظيمية السائدة ، والموارد والإمكانات المتاحة لديها ، وفيما يلي توضيح هذه المحاور :