المطلب الثاني: العوامل المحددة للضغط الضريبي الأمثل:
يعتمد تحديد الضغط الضريبي الأمثل على عاملين هما:
i. المقدرة التكليفية للدخل القومي.
ii. الضغط الضريبي النفسي (عال بسيكولوجي).
a. المقدرة التكليفية للدخل القومي.:
نقصد بالمقدرة التكليفية بمدى قدرة الأفراد على تحمل العبء الضريبي فإذا زاد دخلهم إلى حد يفوق بكثير إنفاقهم فلا ضرر في زيادة الضغط الضريبي وارتفاعه نسبته، أما إذا نقص دخلهم فزيادة الضغط ستؤثر كثيرا على إنفاقهم وتحد من استهلاكهم(12) لما كان فرض الضرائب المختلفة ينطوي بصفة عامة على قيام الدولة باقتطاع بعض الجوانب الدخل القومي بمناسبة إنتاجه وتوزيعه وإنفاقه فمن المتعين تحديد المقدرة التكليفية للمجتمع أي مدى قدرة دخله القومي على تحمل العبء الضريبي ويتطلب تحديد المقدرة، التكليفية للدخل القومي يتعين الغرض للقدرة التكليفية العامة والمقدرة التكليفية الفردية.
a. المقدرة التكليفية العامة:
تهدف دراسة المقدرة التكليفية إلى تحديد مدى قدرة الجماعة السياسية على تخصيص جانب من دخلها تستقطعه الضريبة لتمويل الأعباء العامة، وتحدد هذه المقدرة التكليفية للعامة بعدة عوامل منها:
- حجم الدخل القومي:
يتوقف حجم الدخل القومي على تحديد العناصر التي يتكون منها الناتج القومي تلك العناصر التي اختلفت الآراء بصدد تحديدها وإن كان يمكن ردها إلى ثلاث اتجاهات:
• مضامين الناتج القومي:
1. الإنتاج الشامل:
ينصرف مضمون الإنتاج طبقا لهذا الاتجاه إلى مجموع كل من الإنتاج السلعي وإنتاج الخدمات التي تحققه جميع قطاعات الإقتصاد الحر السائد في الدول الرأسمالية.
2. الإنتاج المادي:
ينصرف مضمون الإنتاج طبقا لهذا الاتجاه إلى مجموع كل من الإنتاج السلعي دون إنتاج الخدمات.
3. إنتاج السوق:
يستند إلى اعتبار الناتج القومي ممثلا في مجموع الإنتاج السلعي والخدمات الذي يوجه إلى الأسواق التوزيعية.
وبصورة عامة فإن الضرائب ليست إلا جزءا من الدخل القومي وبالتالي فإنه كلما تزايد حجم هذا الدخل بالمقارنة بتزايد عدد السكان كلما اتسعت القدرة التكليفية وبالتالي الأفراد لا يشعرون كثيرا بثقل العبء الضريبي.
والعكس ذلك فإنه كلما كان حجم الدخل القومي ضئيلا بالمقارنة بعدد السكان كلما تقلصت المقدرة التكليفية العامة لأن الضرائب التي تفرض على الأفراد سوف تمسهم في الضروريات .
• العوامل الاجتماعية:
من بين العوامل الاجتماعية التي تحدد المقدرة التكليفية العامة هي:
1. الهيكل السكاني:
يؤثر الهيكل السكاني لمجتمع معين على مقدرته التكليفية، ذلك أن المجتمعات التي يكون غالبيتها من الأفراد في سن العمل تكون أقصر على خلق التحول على تحمل العبء الضريبي من المجتمعات مساوية لها في العدد وحجم الدخل القومي، تكون غالبيته لفرده في سن الطفولة لا الشيخوخة.
ولعل ذلك يوضح مدى مواجهة الدول التي تتميز عن سكانها بمعدل نمو مرتفع من مشكلات، نتيجة تناقص مقدرته التكليفية.
2. المستوى العام للاستهلاك:
يتأثر المستوى العام للاستهلاك في مجتمع معين أكثر مما يتأثر بمرحلة التقدم الاقتصادي، فيزداد من مستوى في الدول المتقدمة عنه في الدول المتخلفة إقتصاديا، وما من شك أن يتباين هذا المستوى الذي يؤثر على المقدرة التكليفية العامة للدخل القومي التي تقل في مجتمع يرتفع فيه المستوى العام للاستهلاك عنها في مجتمع مساو له في عدد وهيكل سكانه وحجم دخله ينخفض فيه هذا المستوى حيث يتسع المجال أمام الدول للاستقطاع جانب أكبر من الدخل.
3. الوعي الضريبي :
تتأثر المقدرة التكليفية بمدى الوعي الضريبي عند أفراد المجتمع، فتزداد كلما نضج إحساس هؤلاء الأفراد بمسؤوليتهم الوطنية وإيمانهم بأهمية امداد الخزينة العامة بالأموال اللازمة لتمويل الإنفاق العام، وتقل هذه المقدرة كما ضعف إحساس المواطنين بالمسؤولية وانتشر التهرب والغش الضريبي فتقل حصيلة الضريبة.
• العوامل الاقتصادية:
كذلك تؤثر العوامل الاقتصادية بصورة واضحة على تحديد المقدرة التكليفية العامة إلى جانب العاملين السابقين (الدخل، والعوامل الاجتماعية)، ومن أهم هذه العوامل نذكر:
1. الهيكل الاقتصادي القومي:
تؤثر طبيعة هيكل الاقتصاد على المقدرة التكليفية العامة، إذ تقل هذه المقدرة التكليفية في المجتمعات الزراعية عنها في المجتمعات الصناعية من جراء انخفاض درجة سيولة الدخول في الأول التي تميز عادة بالإنخفاظ النسبي في مستواها وزيادة حجم الاستهلاك الذاتي فيها مما يؤدي إلى انكماش المادة الخاضعة للضريبة.
2. طريقة توزيع الدخول:
تلعب طريقة توزيع الدخول دوما في التأثير على المقدرة التكليفية العامة، وذلك لما لها من أثر على تحديد الأسلوب الفني لتنظيم الاستقطاع الضريبي، إذ يفضل تطبيق الضلاائب بالنسبة إلى نصب عدد كبير من الدخول المتوسطة في المجتمعات التي تقل فيها درجة التفاوت بين ثروات الأفراد ودخولهم.
بينما يفضل تطبيق الضرائب التصاعدية التي تصيب عدد محدد من الدخول، الثروات المرتفعة في المجتمعات التي تزداد فيها درجة هذا التفاوت.
فقد أثبتت التجربة في مثل هذه الأحوال إزدياد حصيلة الضرائب النسبية عن حصيلة الضرائب التصاعدية، مما يؤدي إلى القول أنه كلما قلت درجة التفاوت بين الدخول والثروات في مجتمع معين وبالتالي يزداد عدد دافعي الضرائب من أصحاب الدخول المتوسطة كلما ازدادت المقدرة التكلفية العامة لهذا المجتمع عن مجتمع آخر يساويه في حجم الدخل القومي ويزداد فيه التفاوت بين الدخول.
3. التقلبات النقدية:
تؤثر التقلبات النقدية تأثيرا ملحوظا على تحمل العبء الضريبي فالتضخم النقدي يؤدي إلى تحقيق المقدرة التكليفية الفعلية للدخل في المدى الطويل، رغم ما يصاحبه عادة من إزدياد الحصيلة النقدية للضرائب بينما يؤدي الانكماش النقدي الذي لا يصاحبه عادة من إزدياد الحصيلة النقدية للضرائب إلى ازدياد القيمة الحقيقية لذلك الجانب الذي تستقطعه الضرائب على الدخول، رغم عدم زيادة المقدرة التكليفية العامة الأمر الذي يتطلب في حالات الانكماش المستمر ضرورة إعادة النظر في أسعار الضرائب.
4. مدى انتاجية الإنفاق العام:
حيث أن ما تقتطعه الضريبة من الدخل القومي يعود مرة أخرى من صورة خدمات عامة ولذلك تعتمد مقدرة هذا الدخل في تحمل العبء الضريبي على مدى إنتاجية الإنفاق العام فتزداد بزيادة إنتاجية وتقل بانخفاضها.
• العوامل السياسية:
يكون للعوامل السياسية تأثيرا ظاهرا على القدرة التكليفية العامة إذا ما أملت إعتبارات سياسية معينة على المجتمع المتنازل على جانب ثروته أو من إنتاجه كما في حالة إلتزام الدولة برفع تعويضات الحرب، أو فقدانها جانب من طاقتها الإنتاجية في صورة فقد بعض أدوات الإنتاج أو جزء من الأيدي العاملة فيها فشل المقدرة التكليفية العامة لزمن بقدر معين، ومدى ما أصاب الناتج القومي أو الثروة القومية من نقص.
• عوامل تحديد المقدرة التكليفية الفردية:
تهدف دراسة المقدرة التكليفية الفردية إلى التعرف على إمكانية توزيع العبء الضريبي العام على الأشخاص الطبيعين والمعنويين في المجتمع حسب قدرتهم التي تحددها دخولهم وثرواتهم بصفة عامة،
وتتأثر مقدرة كل فرد على تحمل العبء الضريبي لباقي الثروة الفردية حجم الدخل، إنفاق الدخل.
• صافي حجم الثروة الفردية:
يعد صافي الثروة الفردية من أفضل العوامل المؤثرة على تحديد المقدرة التكليفية إذ أن جميع التشريعات الضريبية الحديثة تلجأ إلى الاستعانة به لتوزيع العبء الضريبي بين مختلف الأفراد تبعا لما يحققه كل من الدخل.
• حجم الدخل:
يعتبر حجم الدخل القومي من أفضل العوامل المؤثرة على تحديد المقدرة التكلفية الفردية، بحيث تلجأ جميع التشريعات الضريبية الحديثة إلى الإستعانة به لتوزيع العبء الضريبي بين مختلف الأفراد تبعا لما يحققه كل منهم من عناصره.
• إنفاق الدخل:
تتأثر المقدرة التكليفية الفردية بالمقدرة الإنفاقية للفرد أي قدرته على تحمل العبء الضريبي، لذلك تراعي تشريعات المختلفة للضرائب على الدخل لنفقات المعيشة والأعباء فحسب، بل تراعي أيضا إبقاء الفرد على إحتياطي مناسب من دخلهم، تكون له حرية التصرف فيه، علاوة على مراعاة التحقيق التوازن بين كل من الإدخار الحر والإدخار الإجباري الذي تمثل إحدى صوره.
الضغط الضريبي النفسي:
يتمثل الضغط الضريبي النفسي في ذلك الشعور لدى الممولين بحرمانهم من الاستفادة من استهلاك معين فيؤدس ذلك إلى التقليل من استهلاك بعض الموارد وبالتالي التقليل من الإنفاق من دخلهم.
لا تقتصر الدراسة المنهجية لسلوك المكلفي بأداء الضرائب المختلفة على مجرد تحرير العوامل المتغيرات الاقتصادية بل تتناول أيضا العوامل النفسية التي تحكم على هذا السلوك وتأثر عليه بصورة تزيد أو تخفف من الآثار الاقتصادية لغرض عمقه على سلوك الأفراد فيما يتعلق بتحمل المخاطر أو الإدخار في الوقت الذي تنخفض فيه أهمية الدور الذي تلعبه الضريبة في هذا المجال إذ تختلف الآثار الاقتصادية لاقتطاعات متساوية القيمة من دخول الأفراد نتيجة لتباين طبيعة كل منها(13).
فإرتفاع الأسعار مما ينطوي عليه من تخفيض القوة الشرائية للدخل ليست له نفس الآثار النفسية لفرض ضريبة على الدخل تؤدي إلى تخفيض مماثل لقوته الشرائية (14).ولقد أوضحت الدراسات الضريبية أن ما ينطوي عليه الضغط النفسي الذي يثيره فرض الضرائب من انطباعات لدى المكلفين تنعكس صداه على تصرفاتهم إذ أن زيادة أو انخفاض نسبة الاقتطاع الضريبي في إجمالي الدخل القومي أو إلى مجموع الاقتطاعات العامة لا يعبر عن ثقل أو عدم ثقل الضغط الضريبي في مجتمع معين ذلك أن لهذه النسبة مدلول موضوعي خالص لا يعبر عن الشعور النفسي للمكلفين تجاه الضرائب ومدى ما يتحملونه من عبء ضريبي.وهكذا فإنه بالرغم من ارتفاع من الزيادة الملحوظة في حجم الاقتطاع الضريبي في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مثلا لا يشكل عبئا ثقيلا على المكلفين الذين يرتفع مستوى الدخل بينهم ارتفاعا كبيرا بصورة تجعل هذا الارتفاع الضريبي لا يؤثر على مستةى معيشة هؤلاء المكلفين أو على مقدرتهم الادخارية أو على رغبتهم في العمل والإنتاج (15).
المطلب الثالث: العوامل المؤثرة على الضغط الضريبي الأمثل:
هناك عوامل عديدة تؤثر على الضغط الضريبي منها درجة الوعي الضريبي وطبيعة الضرائب واستقرار الضرائب
1- درجة الوعي الضريبي:
تؤثر درجة الوعي الضريبي لدى الممولين على الضغط الضريبي لاخضاع الضريبي ويرتبط هذا الوعي عادة بمدى اتساع كل مهول بالضريبة التي يتعين عليه أداؤها وقيمتها بقصد الإسهام في في تمويل برامج الإنفاق العام وبالتالي تحقيق أهداف السياسة المالية فإذا نظر الممول إلى الضريبة على أنها أمرا عاديا وضروريا فيزول بذلك الضغط الضريبي الشخصي أو النفسي.
2- طبيعة الضرائب:
على الرغم من أداء الضريبة بصفة عامة يفصح عن مدى الكراهية الطبيعية للسلطة من جانب أفراد المجتمع فإن الصور الفنية المختلفة للاخضاع الضريبي تتباين في مدى قبول المكلفين لكن منها الأنر الذي أثار منذ زمن ليس بالقريب آراء الفقهاء بشأن المفاضلة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة فالتقليديون يرون أنه من الأفضل الإعتماد على الضرائب المباشرة دون الضرائب غير المباشرة بحجة ما تتمتع به حصيلتها من ثبات واستقرار من ناحية، ومرونة إذا الزم الأمر من ناحية أخرى. أما أنصار الضرائب غير المباشرة فيدل على مزاياها لما تتصف به حصيلتها من وفرة ودرجة عالية من المرونة وانخفاض درجة الشعور المكلفين بها. وعليه نستنتج أن الأنظمة الضريبية تعتمد على العديد من الصور الفنية للإخضاع الضريبي منها من المباشرة ومن غير المباشرة.
3-استقرار الضرائب:
يعتبر الاستقرار الضريبي من بين العوامل التي تؤثر تأثيرا بالغا على الضغط الضريبي الأمثل، ولذلك لما يهيؤه من وضوح في التشريع ويسري في الإجراءات الإدارية بالربط والتحصيل، الأمر الذي يفور للضريبة ركنا رئيسيا من أركان اليقين فهذا يشجع الاستثمار وعدم التهرب الضريبي.
خلاصة الفصل :
من خلال هذا الفصل يمكن القول أنه:
- تؤثر مظاهر الحياة الاجتماعية بما تحدثه الضرائب من تغيرات اقتصادية و اجتماعية تختلف عمقا و اتساعا تبعا لحجم الاقتطاعات الضريبية
- من ناحية النظرية لا يوجد حد أقصى الاقتطاعات الضريبية
- على قياس الضغط الجبائي اما على اساس نسبة الاقتطاعات الاجبارية التاتج القومي أو الدخل القومي .
- لا يمكن فل بين الضغط الضربي و السياسة المالية و السياسة النقدية .
مراجع الأول الفصل:
1-د. يونس أحمد البطريق: "النظم الضريبية"، الدار الجامعية الإسكندرية.2001 .ص87
2-د. قدي عبد المجيد "مدخل إلى السياسات الاقتصادية الكلية" OP4ص 156.
3- J.précebois-économie publique-Armand Colin paris1.1993.p 93.
4- د. يونس أحمد البطريق:" النظم الضريبية"، مرجع سبق ذكره ص 91.
5- جلول خروشي " الضغط الضريبي في الجزائر(1993-1999)". رسالة ماجستير العلوم الاقتصادية . نقود مالية. دفعة 200/ 2001جامعة الجزائر ص 59.
6- H.Sempé- Budjet trésor- Tome 1,2éme édition 1988.p 59.
7- . قدي عبد المجيد "مدخل إلى السياسات الاقتصادية الكلية" مرجع سبق ذكره ص
8- M.G jillio. “ Ecomomiedu development” presses universitaire bruxelles 1990 p 382
10-- د. يونس أحمد البطريق:" النظم الضريبية"، مرجع سبق ذكره ص 90.
11- جلول خروشي " الضغط الضريبي في الجزائر(1993-1999)" مرجع سبق ذكره ص44.
12- محمد أحمد عبد الله ."المالية العامة" مؤسسة الشهاب العالمية الاسكندرية 1979 ص .
13- د. يونس أحمد البطريق:" النظم الضريبية"، مرجع سبق ذكره ص137.
14- علي صحراوي – مظاهر الجباية في الدول النامية و آثارها على الاستثمار الخاص.مذكرة لنيل شهادة الماجستير جامعة الجزائر 1991 ص 280.
15- د. يونس أحمد البطريق:" النظم الضريبية"، مرجع سبق ذكره ص 138.
16- د. يونس أحمد البطريق:" النظم الضريبية"، مرجع سبق ذكره ص 139.
17- محمد عباس محرزي: اقتصاديات الجباية و الضرائب. دار هومة 2003 ص 185
18- محمد عباس محرزي: اقتصاديات الجباية و الضرائب مرجع سبق ذكره.ص 183.
19 - نفس المراجع ص 184.